نوره،

كتبت وكتبت وكتبت ثم مسحت .. مقدمة لا شأن لما بعدها البتة، لا أدري لمَ أفشل في المقدمات؟ أفعل هذا حين أرغب بالكلام ولا أعرف كيف أنطق الحرف الأول، فأطلق جميع الحروف حتى يعجبني أحدهم، فأبدأ به.

نوره، اسمي الحقيقي الذي أقترحته جدتي على والديّ .. الآن أتساءل لم أطلقت مدونتي باسمي، لم لا يكون مثلاً غيمة؟ أزرق؟ أو حتى كوب قهوة البندق؟ أو شكولاتة مالتيزرس؟
إني بكل تلك الأمور وزيادة.. نوره، بكل حالات الغضب والحزن والسعادة، بكل الجدية والعشوائية، بامتزاج الحلو والمالح من الطعام، والحار جدًا، والمشي، وقراءة الكتاب، والتحدث عن الأشعار، والاستماع لدروس القراءات.
لا أحب أن أسرد كنقاط من أكون، في الحقيقة لا أحب من يذكر هذا في الواقع وإن كنت أقع به أحيانًا فأتدارك وأغلق فمي فجأءة. ما المشكلة لو تركنا مجالًا للآخرين للبحث عمن نهواه؟ عما نكره؟ عن أسلوب حياتنا؟ لم نهب لهم شخصياتنا سردًا دون متعة البحث والاستكشاف؟ أؤمن بأن الانسان حين يتحدث عن نفسه إنما يذكر ما يطمح وما يحب أن يكونه، ليس شرطا أن يكون كما ذكر، وهذا ما شاهدته بكثرة حتى آمنت به.

∞∞∞

حين فتحت أول مرة صفحة التعريف لأكتب عني، أحببت أن اكتفي باسمي، لا شيء آخر أكثر من اسمي يصفني بصدق ، وقد مرت سنة، رأيت أني حين أزور صفحات الأصدقاء، أبدأ بما كتبوه عن أنفسهم، كيف عبّروا عن أنفسهم؟ بسلاسة؟ أجعلوني لا أشبع من حروفهم ذات النكهات اللطيفة؟ أو لا أستسيغ تعبيرهم المتكلّف فأغادر بصمت بحثًا عن المتعة؟
حتى رأيت أن قولي فيّ لا يكفي، أنا بطبعي الثرثار الكلامي والكتابي ، لا يجب أن تكون صفحتي “اكتفوا بنوره”.
ولكن تبقى مشكلة “من أين أبدأ؟ ” أنا الكثير والقليل، أنا الامتلاء والخواء، فأيهن أبدأ؟

∞∞∞

أحب الكتابة، وبدأتها في سن صغير، وأرى أن لكثرة متابعتي للرسوم المتحركة وقراءتي لقصص الاطفال أثر في هذا، حين بدأت أقلد بعض الشخصيات الكرتونية في كتابة المذكرات اليومية، أو حتى بإغلاق فم من يتحدث في رأسي، إنه يكرر الجمل التي سمعتها من بضع الحلقات ، أراه يكف عن الحديث حين ألصق القلم في دفاتري، عدت بعض القصص كتابة، أصير منتفخة فأهرب إلى القلم كيلا أنفجر، فأهدأ، حتى أدمنت فعلي، وامتلأت مذكرات هاتفي برطوبة البكاء، وضجة الضحكة، بالسواد والعتمة والضوء والأنوار.

تعلمت الرسم في المرحلة المتوسطة، وجدت أني لا أمتلك حصيلة لغوية كافية لتمسك الحروف بأنيابها وجعي أو رغبتي، كان الرسم يحل محل الكتابة حين تخونني الكلمات.. ولكن الأسى حين يخونني الاثنان، فلا كتابة ولا رسم.

∞∞∞

أمسكتني مرة أستاذتي حين سلمتها واجب كتابة المسرحية، فقالت : لم لا تكتبين بالجرائد؟
كان سؤالًا غريبًا، جرائد!.. لكن سيزول غرابته حين تعلم أنها تكتب في الجرائد!
رفضتُ الفكرة، وعرضتْ لي مساعدتي في مواجهة أهلي إن كان سبب الرفض منهم، لكني رفضت بالكلية، لا شيء أصعب أن تكون وظيفتك كاتبًا! الكتابة سلسة سهلة، حين ترغبك الكلمات، تلح عليك أن ترصعها جنبًا إلى جنب، ومثلي لا يطلب الكتابة بل ينتظرها تلين له.
فقالت وكررت قائلة: إياك أن تتوقفي عن الكتابة! إن تتوقفتي فلن تعود لك!
وحتى الساعة أصاب بخوف وهلع أن تذهب الكلمات منى فلا أجد ما يخرج ما في صدري، أن لا أجد كيف يخرس الذي يتحدث في رأسي، أن أنام ليالي وأيام.. دون مشاعر حيّة تحركني، رؤية الطفل، رؤية السماء.. والخضرة، المطر، الدراسة، كل تلك الأمور، تولد مشاعر لا تتوقف إلا حين أشخط بالقلم.
أصبت بمرض الخوف من فقدان الكلمة المناسبة لقول ما أشعر وأريده.. حتى وصلت للغلو.

مواقع تواصل من جهات متعددة خوفا وطمعا، لكني بدأت أتعافى، فأغلقتها كلها وأبقيت هذه المنصة، لأكون شخصًا واحدًا، موجودًا في عالم الكلمة فقط، دون سياسة، دون شهرة، دون المشكلات الساذجة.
إني هنا لأثرثر، لأقول حكاية، لأذكر حادثًا، لأُنْصح وأَنْصح ولأنشر ما كتبت أو صنعت، لأنقل.. هنا.. القطرات تتحول لأنهار وينابيع وبحار.
لن أتخذ نمطًا معينًا أو أُلبس مدونتي حلةً رسمية لها، هنا حيث البساطة، حيث أسمار الليالي والضحى، هنا حيث البكاء والكآبة، حيث الضحك والسعادة، حيث كل شيء.

هذا الكلام هو فقط بسط لمعاني الجملة السابقة “اكتفوا بنوره” ولعلي أطلت الكلام.. وبقي المزيد.
فلنعود لسابق العهد، اكتفوا بنوره تعريفا بي!